“عندما تؤمنُ بشيءٍ، فإنَّك تستطيع تحقيقه، وعندما تمتلك الرؤية الصحيحة له ستتمكن من كتابة رسالتك بطريقةٍ منمقةٍ واضحة الأهداف، ومن تجنيد جميع نقاط القوّة حولك لتذليل كل نقاط الضّعف”
لقاء فريق العدسة اليوم مع أستاذةٌ لطالما عرفناها بتواضعها ومحبتها لطلابّها…بابتسامتها وتفانيها في الإعطاء أينما تحلُّ …لتحدِث تغييراً نحو الأفضل، مع مديرة العلاقات العامة والثقافية والدولية في رئاسة جامعة تشرين وأستاذة مقرّري مهاراتِ التّواصل للسّنة الثانية وطب الشّيخوخة للسّنة الخامسة في كلية الطّبّ البشريّ في جامعة تشرين الأستـاذة الدّكتورة سَـوسن غَـزال❤️.
لمحة عن حياتها و دراستها:
– متزوجةٌ من الأستاذ الدكتور مروان علي عيسى، أخصّائي النسائية والتوليد، ولديها ولدين في الصف العاشر والبكالوريا .
-من مواليد العاصمة السورية دمشق، درست في اللاذقية، وتسكن فيها حالياً في شارع المحبة بجانب مشفى السّويد.
– تخرَّجت من كلية الطب البشري بجامعة تشرين عام 1994-1995.
– دخلت اختصاص الأطفال، وبعد سنةٍ أثناء الاختصاص، شاركت في مسابقة المعيدية لكليّة التّمريض المفتتحة حديثاً وكانت أول من تمّ اختياره.
– أوفدت إلى مدينة الإسكندرية في مصر، حيث حصلت على شهادة دكتوراه في اختصاص الحالات الحرجة في الطّب الباطني.
– عادت إلى سورية، وبدأت التّدريس في كلية التمريض عام 2003.
– أستاذة عضو بلجنة المناهج بمنظمة الصحة العالمية WHOبالتعاون مع مؤسسة الآغا خان.
- تتحدث الدكتورة عن حياتها: “عملت في عيادتي بالبسّيط لمدة عامين قبل السفر، وكنت أحب الممارسة السريرية كثيراً، لذلك قرّرت أثناء دراستي في مصر أن أدرسَ اختصاصاً ثانياً، فاخترت العلاج الفيزيائي -والذي يدعى بالطّبّ الطّبيعي هناك- وبدأت أتّجهُ لمجال العناية المركزة، حيث كان الاتجاه الجديد في تطبيق الطّبّ الطبيعي ضمن وحداتها، وأشرف عليَّ أستاذان مصريٌّ وسوريٌّ، وأنجزتُ رسالتي في الطب الطبيعي للمرضى الموضوعين على جهاز التنفس”
فريق العدسة التقى أ.د.سوسن غزال في لقاء ودّي للاستفادة من تجربتها وخبرتها.
دكتورة حسب علمنا فقد سافرتِ إلى بريطانيا و التحقت بالتعليم عن بعد في مجال التخطيط الاستراتيجيّ للبرامج الصحية، هل غيّر التَّخطيط الاستراتيجيّ نمط حياتك أو أضاف شيئاً عليه؟
لقد أثر ذلك على طريقة تفكيري، فالتخطيط كأساس لا يتغير سواء خططت لحياتك أو إدارتك، لمهنتك أو عيادتك. التخطيط له خطواتٌ تبدأ من تقييم البيئة المحيطة بك بشكلٍ صحيح، وكيف تحلّلها وتسند لها معنى وتصنفها، وتحدّد المشكلة من كل مجموعة منها من أجل تقديم الحل. هذه الآلية تنعكس على عملك في العيادة أو البيت.
التخطيط مهمٌ جداً، وهو مفتاح النّجاح، حيث يضمن أن تكون منظماً دائماً وأن تجمع جهودك من غير أن تبدّدَ جهدك أو وقتك. يقال أنَّ أهم وأنجح إدارة الآن هي إدارة الوقت، ولكي تدير الوقت بشكلٍ صحيحٍ يجبُ أن تمتلك مهارات تخطيطٍ استراتيجيِّ لا محالة، لأن التّخطيط يوفّر لك الوقت في جميع مراحل عملك.
في عصرنا هذا، عندما تقرر الذهاب بإرادتك وبمبادرة منك إلى مكانٍ لتطوير نفسك، فيجب أن تتّجه لمكان يعلمك المفهوم (concept) وليس المعلومة، فالمعلومةُ متاحةٌ في عصرنا هذا حيث أنّه بإمكانك الوصول إلى آخر نقطة في العالم عن طريق الإنترنت؛ أما آلية التّفكير التي تحتاج وقتاً طويلاً لتطويرها، فيجب أن تسعى لحيازة شهادةٍ فيها.
بالنسبة لي، قمت باختيار مجال التعليم عن بعدٍ لأنه أضاف لي مهارات وطرق التفكير (way of thinking) وكيفيّة القيام بالأبحاث، بالإضافة إلى آلية الكتابة. فخلال فترة الدبلوم التي كانت مدتها سنة ونصف، طُلِب مني القيام بكورس هو بمثابة بحثٍ صغيرٍ يُطلب منك، ويقوم الأساتذة بتصحيحه وتعليمك آليّات البحث. فمثلاً عند قيام مجموعةٍ من الأفراد ببحثٍ ما، قد يستغرق بعضهم وقتاً طويلاً جداً مقارنةً بشخصٍ آخر، لأنهم لا يمتلكون آلية التوجه أو “البوصلة” و هذا ما تكتسبه عند تعلّم التخطيط.
ما هي الصعوبات التي واجهتموها واستطعتم الانتصار عليها بإرادتكم وطموحكم؟
من أهم الصّعوبات التي واجهتني هي أنّني امرأة، حيث أنّه يُطلب من المرأة أن تبذل جهداً مضاعفاً لتكون بمكانٍ من الممكن أن يكون الرجل فيه. فالمشكلة تكمن في ثقافتنا والصّورة الذّهنية للمرأة من الصّغر، فمثلاً حتى تضبط مجموعةً من الأشخاص، قد يستطيع الرّجل ضبطهم بنظرةٍ، أما المرأة فقد تحتاج لبذل طاقةٍ مضاعفةٍ للقيام بذلك.
أما بالنسبة لصعوبات اللّغة، فإن لغتي الأجنبية في مرحلة الدراسة الإعدادية هي اللّغة الفرنسيّة. وفي المرحلة الجامعية كنا ندرّس مقرّراتٍ في اللغة الفرنسية عن الأمراض من السنة الأولى وحتى الخامسة، وكانت أسئلته صعبةً جداً مقارنة بمقرّرات اللغة الإنكليزية. وهنا أحبّ أن أقدم لكم نصيحةً أنه دائماً ما يوجد شيءٌ تجدونه صعباً على المدى القريب، لكنه يعود عليكم بالخير والفائدة على المدى البعيد. فقد حصلت على قاعدةٍ كبيرةٍ جدّاً من المصطلحات الفرنسيّة الطّبيّة خلال المرحلة الجامعية.
أما في مرحلة المعيديّة؛ لم يكن هناك مجالاً لقبولنا في فرنسا لصالح التمريض، وكان مجال القبول في أماكنَ تدرّس باللغة الإنكليزية حصراً، و قبل إيفادنا إلى هناك، طلب منا القيام بدورة لغةٍ لمدة 9 أشهرٍ، ولكنها كانت بلغة الدراسة الجامعية (أي الفرنسية) حصراً، قمنا بذلك فعلاً وبعدها ذهبنا فجأةً إلى بلدٍ تدرّس باللغة الإنكليزية (مصر)، حيث يمنع تلقي أي سيمنار إلا باللغة الإنكليزية ! فالامتحانات والسيمنارات والمراجع كانت كلّها باللغة الإنكليزية.
طريقة الدّراسة هناك في مرحلة الماستر والدكتوراه كانت مختلفة، حيث يوجد مكتبةٌ مليئةٌ بالكتب والمراجع ويطلب منك تحضير سيمنار والقيام بمناقشةٍ، فلا وجود لأستاذٍ يقوم بشرح محاضرةٍ أو مقررٍ، وعليك الدّراسة والتحضير لامتحانٍ مفتوحٍ.
أما طريقة الدّراسة المُتّبعة والتي أمتنُّ فيها للمشرفين عليَّ هناك، وهي خريطة المفاهيم (concept map)، حيث تقتضي توظيف عدّة معلوماتٍ حصلت عليها بعدة أماكن لصناعة معلومةٍ جديدةٍ. وأنا حريصةٌ دائماً على تعليمها للطّلاب لأنها طريقة تفكيرٍ تتطلّب عدَة سنواتٍ لتطويرها. كمثال على ذلك، فإنّ أحد السيمنارات التي طُلب منّي تحضيرها كانت عن موضوع الخلايا البطانية، ولم أكن أعرف ما عليّ تحضيره في هذا الموضوع الواسع.
كانت هذه التجربة الأولى الصعبة بسبب الشّدة والوقت القصير، وتعلمت عندها كيف يمكن توظيف المعلومات والحفاظ على الوقت لأستطيع تحضيره خلال أسبوعٍ. وعند نهاية تلك التجربة، اكتشفت مدى عظمة وأهمية هذه الخلايا، فسرُّ صحة الإنسان يكمن فيها. فمن شلّال التخثر إلى الاستجابة المناعية والخلايا البائية والتائية، إنها مدخل كل ما يتعلق بالجسم من دفاعاتٍ وأمراضٍ كالتصلب العصيدي.
و هكذا فإن هذه الطريقة تعلمك التفكير، وليس الحفظ من خلال ربط كل هذه الأفكار ببعضها.
إن سلوك الإنسان صنيع تفكيره، فعندما تكتسب طريقة تفكير فعالةٍ ومنتجةٍ، يبدأ سلوكك بالتغيّر باتجاهٍ فعالٍ ومنتجٍ، وعندما تكون في موقعٍ عليك أن تُوصِل فيه المعلومة إلى جيلٍ آخر أو جمهورٍ ما، فتبدأ بالعمل على تغيير طريقة تفكير هذا الجيل، وذلك لتعطيه الفائدة وتحسن سلوكه.
إذاً ما هي الشهادات العلمية التي حصلتم عليها خلال مسيرتكم الطويلة تلك؟
إجازة في الطب، دكتوراه وماجستير في الطب الطبيعي، دبلوم تعليم عن بعد في مجال التخطيط الاستراتيجي للبرامج الصحية.
وما هي المناصب الأكاديمية التي تسلمتموها خلال عملكم؟
– حالياً بمركز أستاذٍ مروراً بمدرّس وأستاذ مساعد
– رئيس قسم الباطنة في كلية التمريض.
– نائب عميدٍ لمدة ثلاث سنوات.
– عميدٌ لمدة أربع سنوات.
– مديرة تخطيط في رئاسة الجامعة لمدة عام.
– مديرة علاقاتٍ عامة وثقافية و دوليةٍ برئاسة جامعة تشرين من عام 2013 وحتى الآن.
تنير ذاكرتنا بقعة مضيئة يتركها كل أستاذ مميّز مرّ علينا، فمن يضيء ذاكرة أ.سوسن اليوم؟
في مصر الدكتورة عزة السّوسي؛ من علمني طريقة التفكير، الدكتور طارق البدوي رئيس القسم؛ كان يقسو عليّ أحياناً لكنه أفصحَ لاحقاً أنه كان يستخدم هذا الأسلوب لأنه يشعر أن عندي إمكانيات عالية علّمني كيفية توظيفها تحت الشّدة. العميدة ناديا طه كان لها فضلٌ كبيرٌ عليَّ، وكذلك الدكتورة الرائعة واللطيفة أليس.
في جامعة تشرين، الدكتور زهير حلاج رحمه الله درّسنا مقرر الصحة لعامٍ واحدٍ، و كان أسلوبه مميزاً يجعل الطلاب يتسابقون لحضور محاضرته. كان عميد الكلية آنذاك، ثم تسلّم منصباً إدارياً بمنظمة الصحة العالمية في الشّرق الأوسط، كما التقيت به أثناء دراستي في مصر. كذلك الدكتور فيصل ناصر مدرس لمادة الأشعة، والدكتور هاني شعبان رئيس الجامعة السابق، والدكتور إلياس نعمة حيث كانا يدرساننا الفيزياء الطبية.
إذا عدنا للهدف الأول ونقطة البداية، لماذا مهنة الطب؟
رغبت دراسة الصّيدلة منذ طفولتي، وذلك لأنني أحب العمل داخل المخبر. ولكن معدّل علاماتي المرتفع وتشجيع عائلتي دفعني لدراسة الطب البشري، وقد أثّر ذلك بشكلٍ إيجابيٍّ عليّ وجعلني لا أعرف الفشل مهما كان الموقف الذي كنت فيه، فلم أحمل أي مقررٍ طوال سنوات دراستي و معدّلي كان جيداً جداً.
اليوم ومن منصبك المهم، هل تعتقدين أن الطب في سوريا في تراجع أم تقدم؟
لتقييم مخرجات أيّ عمليةٍ تعليميةٍ يجب تقييم مدخلاتها أهي صحيحةٌ أم لا، من هذه المدخلات هي البنية التحتية والمناهج وتوافر مستلزمات العملية التدريسية.
إن أوّل معيارٍ لازم لعمليةٍ تدريسيةٍ جيدةٍ وإيصال المعلومة بشكل واضح هي نسبة عدد الطلاب إلى عدد المدرّسين في مجالات الطب المخبرية و السريرية، والذي يجب ألا يتجاوز عشرةَ طلابٍ في المجموعة الواحدة. أما طلابنا بأعدادهم الكبيرة هذه فلا يستطيع قسم منهم الرؤية والتعلم بشكلٍ جيّد. و هذا ليس لأن الجامعة لا تستطيع توفير ذلك، فأنا في مرحلة ما قمت بتأسيس مشفى افتراضي في كلية التمريض عندما كنت عميدةً هناك. حيث نستطيع امتحان الطالب عن طريق محاكاةٍ واقعيةٍ للمرضى باستخدام الدمّى و حاسوبٍ يمكن برمجته عن بعدٍ بحيث تقلّد أيّ حالةٍ مرضيّة،ٍ وبإمكان الطّالب استجوابه أو فحصه لسماع أصوات القلب أو الأصوات التنفسية المرضيَّة مثلاً، حيث تحصل على جميع المعطيات، ويقوم الحاسوب بتقييم علامة الاختبار.
لدينا أيضاً دميةٌ تحاكي الولادة عن طريق الحاسوب وحاضنةٌ تحوي دميةً تحاكي الخديج يمكن أيضاً برمجتها، و كذلك الرضيع والطفل كلٌ بأمراضهما والبالغ لمحاكاة الحالات الباردة والإسعافية. هذا ما يُعرف “بالأوسكي” (Objective Structured Clinical Examination)، وكنّا نسعى للحصول على اعتماديّة الاتحاد الأوروبي في الكليّة، إذ كنّا قاب قوسين أو أدنى، حيث إنّ كليّتنا حازت على المرتبة الأولى في التقارير الذاتية التي أرسلناها، كما أن تقريري كان أوّل ما عُرِض عندما سافرت إلى ألمانيا، ولكن عندما حان موعد التقييم، لم تجرؤ اللجنة المخصصة على المجيء إلى سوريا بسبب الأزمة التي حدثت في ذلك الوقت، فقاموا بإنهاء المشروع بهذا الشكل.
ولكن هذا يبرهن أنه عندما تؤمنُ بشيءٍ فإنك تستطيع تحقيقه، وعند امتلاكك لرؤية صحيحة فستتمكن من كتابةُ رسالتك بطريقةٍ منمقةٍ واضحة الأهداف، ومن تجنيد جميع نقاط القوّة حولك ولذليل كل نقاط الضّعف.
لقد قضيت فترة العمادة المؤلفة من أربع سنواتٍ في توصيف هذه المخابر، لكن الخلل كان يكمن في عمل الفريق، حيث ترى أنّ بعض الأشخاص لا يسعون لإنجاح الفريق بالكامل، بل يحاولون أن يفشلوه، ويلقون بهذا الفشل عليك، وهذا ما ألحق الضرر على الجميع، فهذه المؤسسة لنا ليستفيدَ الجميع منها.
قليلون جدّاً من يهتمون باختصاص العلاج الطّبيعي، ما سرّ اختيارك له؟
في أثناء دراستي لاختصاص الحالات الحرجة في مصر، كنت أرغب بدراسة الطب المخبري إلى جانب هذا الاختصاص، ولكن مناوباتي في اختصاصي كانت تتعارض مع ذلك. وذات يوم التقيت هناك بالدكتور صبحي –نائب رئيس جامعة دمشق حالياً- الذي كان يدرّس الطب الطبيعي إلى جانب اختصاص الجراحة العظمية، واقترح عليّ هذا الاختصاص.
إنّ الطّب الطبيعي يتعاطى مع كلِّ شيءٍ بطريقةٍ غير دوائيةٍ، يعلّمك كيفيّة إعادة توازن الإنسان بالطاقة الداخلية مع الخارجية، عبر كلِّ ما يمكن أن يؤثر عليه، الحواس؛ البصر بالعلاج بالألوان، الشم عن طريق العلاج بالروائح، اللمس بالعلاج باللمس والضغط، وعن طريق العلاج بالإبر الصينية والعلاج الفيزيائي بالأجهزة الكهربائية والتغذية.
إحدى المزايا التي لاحظتها أثناء الاختصاص هناك هي أنه في حال كنت مندفعاً للتعلم، فإنهم يبذلون ما في وسعهم لتصبح الأفضل ويفرحون بهذا، حتّى أنّ رئيس قسم الطب الطبيعي هناك طلب منّي العمل معه في مركزه الطبي، وبعد أن رأى طريقة عملي هناك طلب مني إدارة فرعه الثاني. عملت معه لمدة أربع سنواتٍ علمنّي فيها واكتسبت خبرة العمل السريري في العيادة، وعند انتهاء مدّة الاختصاص، طلب منّي البقاء لأكمل العمل معه بعد النجاح الباهر الذي لاقاه الفرع الذي كنت أديره، لكنني اعتذرت عن ذلك لالتزامي بالعودة إلى بلادي.. وهنا يبرز دور المرأة في مجال العلاج الطبيعي، فهي تلعب دوراً أكبر من الرِّجال فيه.
عندما عدت إلى سوريا عُدِّلَت شهادتي لتحمل اسم العلاج الفيزيائي، والذي في الواقع يجب أن يدعى “إعادة التأهيل” (rehabilitation) فهو يحمل اسم “طب التأهيل” في كل مكانٍ حول العالم. وعند دراستي في الجامعة المفتوحة الجامعة المفتوحة اخترت التخطيط الاستراتيجي للبرامج الصحية وكنت pilot حالات التاهيل لمرضى التنفس
إن الدكتور محمد الخير هو من الناس الذين أثّروا بي كثيراً، وهو من قام بتقييم رسالتي عندما عدت، فقد تفاجأ وأُعجب بها وتمنّى لو يتم تنفيذها في بلادنا، وكان يقوم بطلبي لأطبّق علاجاً فيزيائياً صدريّاً لمرضى على حافة الموت أحياناً، وكانوا يشعرون بتحسّنٍ بعدها.
هل تجدين أن لطب التأهيل الصّدى الذي يستحقه لدينا؟
إن التأهيل بكل مجالاته كالقلبي والنفسي والوعائي ضروري جدّاً، ولكن للأسف لا ثقافة لدينا في ذلك.
ولكن حالياً بعد إشرافي على رسائل دكتوراه عن العلاج الفيزيائي، بدأ الأطباء عند رؤيتهم لنتائج التجارب التي نجريها يقتنعون بها. فمثلاً في إحدى رسائل الدكتوراه في مجال الأورام، قمنا بإجراء التأهيل لتحسين نوعية الحياة عند مريضات سرطان الثدي اللواتي خضعن لاستئصال الثدي، حيث طوّرنا كتيّباً إرشادياً عن جميع نواحي حياة المريضة الغذائية والنفسية والعائلية والجنسية منذ اللحظة التي تتلقى فيها المريضة العلاج، ولاقى رواجاً كبيراً بين المريضات.
نحن الآن أحوج ما يكون لاختصاص إعادة التأهيل، فمعظم المرضى المراجعين للمشافي يعانون من نكبةٍ نفسيةٍ، وعلى الطبيب ملاحظة الأمر وتقديم الدعم للمريض.
ما رأيكِ بالمراكز المُفتتحة في مدينة اللاذقية والّتي تحمل اسم مركز علاجٍ فيزيائيٍّ دون الشهادات المطلوبة؟
لا شكّ أن في ذلك إساءةً كبيرةً، ولكن الطبّ ساهم بشكلٍ ملحوظٍ في تلك الإساءة، فإنّ طبيب النسائية مثلاً الذي يعمل في مجال التغذية بدلاً من مجاله يسيء إلى مهنة الطّب.
والصيدلاني الذي يصف أدوية التنحيف، و طبيبة الأسنان التي تعمل بالتغذية و افتتحت مركزاً للتنحيف، هي حالات نعيشها اليوم، هكذا يكون الطبيب بدأ بالإساءة و فتح المجال لغيره بالاستمرار بها.
إن ترخيص هذه المراكز يكون بشهادة أي طبيبٍ على عكس العيادة التي تحتاج ترخيص مزاولة المهنة للطبيب نفسه، لذلك دائماً ما أنصح طلابي أن يكونوا في سباق مع أنفسهم فحسب، فأنا طوال مسيرتي المهنية لم أسعَ أبداً للتفوّق على أي أحد وأحاول الحفاظ على طاقتي بعدم تبديدها على الأشياء عديمة الأهمية من حولي، فالإنسان لن يصبح الأفضل أبداً، لكنه يصبح أفضل مما كان عليه في السابق، فمن المهم جداً ألا تقارن نفسك بالآخرين، بل أن تكون راضياً عن نفسك، و مقدّماً للخدمة الإنسانية، فالطب الآن متّجهٌ كما المجتمع إلى تغيير سلّم القيم الّتي تصدّرتها القيم الماديّة في الوقت الحالي، بالإضافة إلى الكلام و التعميم الجارح الذي نصادفه في كل مكان حتى على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فمن فقداننا الشّعور بالأمان في الظروف الحالية، إلى طريقة التدريس في الجامعات والمدارس، كله ساهم دون أن نشعر في تغيير صورة المهنة واحترام الطبيب، ولكي نبدأَ تغيير الواقع الحالي، علينا العمل على جميع هذه المدخلات.
إن أي فكرةٍ جديدةٍ ترغب بتطبيقها فعليك أولاً نشر ثقافتها، فأنا مثلاً عندما عدت من دراسة الاختصاص؛ قرأتُ ثقافة المجتمع وما يتقبّل. فلم يكن بالإمكان -مثلاً- أن يتقبّل الجميع فكرة التغذية حسب الزمر الدموية، أو المعالجة بالألوان والطاقة والموسيقا، لأن المجتمع غير جاهزٍ لذلك.
لذا، فإنه عليك أن تبدأ العمل بما يوافق تقييمك للمجتمع، ومن ثمّ تبدأ بإدخال الخيارات الجديدة، فالتغيير يجب أن يكون تدريجياً.
بعد تجربتك الطويلة، ما رأيكم بالاختصاص في الخارج مقارنةً مع الاختصاص في بلادنا؟
إن الاختصاص في بلادنا يمتاز بإمكانية التجربة والتطبيق لاكتساب الخبرة السريرية، وهذا غير متاحٍ في الخارج، لكنّ رأيي أنّ السفر مهمٌّ لكل شخصٍ، سواء كان للاختصاص في الخارج أو التدريب لمدة قصيرة، لأنها تجربة تتيح لك التعرف على ثقافاتٍ أخرى وتعلّمك الاعتماد على الذات، كما أنها تقدم فرصةً للتعرف على أشياء جديدةٍ تغير طريقة تفكيرك.
أهمّ ما تكتسبه من السفر هو اللغة التي تعدُّ مفتاحك للحصول على المعلومات الحديثة لتطوير نفسك، فهي تمكنك من البحث عنها في دور النشر الأشهر في العالم مثل Mosby وLippincott وChest.
ماذا تقولين لمن يرغب بالاختصاص في الطب الطبيعي، لكنه مترددٌّ بسبب فرص العمل القليلة لمثل هذه الاختصاصات في مجتمعنا مقارنةَ بالخارج؟
أشجّعهم على ذلك وأوجه لهم نصيحةً؛ إنّ الاختصاص ليس كما يفرضه عليك المجتمع، بل كما تفرضه أنتَ على الناس، و من المهمّ أن تكون مثابراً و متابعاً لكل أسسه، فأنا مثلاً قمت بتصميم برنامج خاص لعلاج شلل العصب الوجهي (شلل بِل)، وقمت أيضاً بتصميم و تنفيذ أداةٍ خاصةٍ به، وما دفعني للقيام بذلك هو الاختلاطات الكثيرة التي رأيتها لعلاجه التقليدي، وتمكنت من علاجه دون أيّةِ اختلاطات. فهو اختصاصٌ يُمكن الإبداع فيه، وعليه ألا يقلق من مستقبله أو صعوبة الطريق إليه، فإني أجد أنه عندما تكون لديك الطاقة والرغبة الصّادقة بالسّعي لتحصيل العلم، فإن الطرق كلّها تسخَّر لمساعدتك على ذلك من حيث لا تدري، وحسب قوانين العقل الباطن؛ عند اتخاذك القرار للقيام بشيء ما، فأنت قد قطعت نصف الطريق بالفعل.
أتوجّـه من خلال عدستكم بالشكر لجامعة تشرين ممثلة بإدارتها وقيادتها السياسيّة على الدعم المنقطع النظير الذي قدمته وتقدمه لإنجاح العملية التعليمية و الإدارية ودعمها لكل شخص مبادر للتطوير.
و أشكرُ كل من عملت وأعملُ معه وأشكرُ طلابي في كلية التمريض والصيدلة والطّب البشري الذين كان لهم دوراً في نجاحي.
أشكرُ فريق العدسة
الفريق المفعم بالطاقة والحس بالمسؤوليّة والأهم الفريق الذي يتصفُ بالمبادرة “سر النجاح”.
بدورنا نشكر الأستاذة سوسن ❤️على استقبالنا الرّاقي ومنحنا شرف اللّقاء ونتمنّى لها دوام الصحة والعافية وكلَّ التوفيق…
كان في اللّقاء العدسات :
محمـود مـصطفى
د.نـورا خليـل
د.سـماح خيربك
خضـر لايقـة
تحرير وتدقيق العدسات:
زينـة الجنـدي
محمّد همّـام بركـات
عدسة طالب طب