جامعة تشريـن ~ كلية الهندسـة المدنيـة
بيـن رحـاب السـاحل السوريّ، كـانـت شخصيتنـا اليوم، شخصيـة حـازمـة، لطيـفة بقدرِ حزمهـا، وثـاني مقابلاتنـا في الكليـة كـانت معهـا، الدكتور المهندسـة لمـا سعود التي دار بيننـا وبينهـا الحوار التالي :
عن حياتـها ونشـأتـها
من مواليد طرطوس عـام 1983، درست الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة طرطوس ثمّ التحقت بعدها بكلية الهندسة المدنية في جامعة تشرين عام 2001، وتخرّجت منهـا عام 2006 و كنت الخريج الأوّل .
مسيرتي كانت بدايةً مهندسة قائمة بالأعمال عـام 2007، تقدّمت إلى مسابقة المعيدين عام 2008 وباعتباري الخريج الأوّل نلت المعيدية باختصاص التصميم بمعونة الحاسب، تقدّمت بعدها إلى اتفاقية تعاون بين سورية وفرنسا رغبة باستكمال دراستي في فرنسا، أجريت دورة لغة فرنسية لمدّة تسعة شهور في المعهد العالي للغات، بعدها بدأت الأزمة في سورية عـام 2011 فقررت أن أحوّل الإيفاد لداخلي، بعدها بدأت مسيرة الإيفاد الداخلي وبسبب تحويلي من الإيفاد الخارجي إلى الداخلي تعرقلت أموري وتأجّلت عـامـاً .
ولكن بعدها تمت الأمور بنجاح وفي عـام 2013 نلت شهادة الماجستير ومن ثمّ الدكتوراه عـام 2017 .
واجهتني صعوبـات في فترة تحويل الإيفاد من خارجي إلى داخلي كانت فترة صعبة ومفصلية في حياتي فقد كدت أن أفقد حقي في المعيدية .
كما أنّ فكرة بحثي كانت من التحديات الكبيرة بالنسبة لي فقد كنت أعمل في موضوع جديد كلّيا وهو نمذجة معلومات البناء، في ذاك الوقت كانت فكرة جديدة تماماً واستغرقت حوالي السنة الكاملة من القراءة والتحضير والبحث والمطالعة، حتّى استطعت الوصول لفكرة جديدة، بالتأكيد لولا الإصرار والإرادة لما استطعت إتمام القراءة والبحث وتخطي كل الصعوبات التي مررت بها .
الوضع الاجتماعي : أنا متزوجة من دكتور في كلية الهندسة التقنية في جامعة طرطوس، لديّ ابنتين الأولى في الصف الخامس والثانية في الأوّل الابتدائي .
مـا الشهـادات العلمية التي حصلتم عليهـا ؟ المقررات التي تدرسونهـا ؟ المقالات التي نشرتموهـا ؟ مشاريع مميزة قمتم بالعمل بهـا ؟
بكالوريـوس في الهندسة المدنية اختصاص هندسة وإدارة التشييد .
ماستر في هندسة وإدارة التشييد عام 2013 .
دكتوراه عام 2017 باختصاص التصميم بمعونة الحاسب /نمذجة معلومات البناء/ .
المقررات التي درستها حتى الآن كانت إنشاء مباني1 و إنشاء مباني2 لطلاب السنة الثانية اختصاص مدني عام، و في السنة القادمة إن شاء الله سأدرس بالمشاركة مادة التصميم بمعونة الحاسب، وقريباً سوف يتم إدخال نمذجة معلومات البناء BIM – وهي تقنية جديدة في الهندسة – وسأشارك في تدريسها مع د. جمال عمران، وستكون مقرر لطلاب المدني العام بعدما كانت تدرّس فقط لاختصاص الإدارة ولطلاب الدراسات العليا، وهذه ستكون خطوة إيجابية مميزة لجامعة تشرين .
نشرت عدّة مقالات أثناء بحث الدكتوراه، نُشرت بتشرين والبعث، و لكن هناك مقالة كانت مميزة باللغة الانكليزية نشرتها بالخارج، في وقتها كان من الصعب إنجاز مقالة في الخارج نظراً للإجراءات الصعبة التي يتخذونها بالتدقيق والمراجعة وشروطهم بالتأكّد من أنّ موضوع البحث جديد كلّياً، استغرقت هذه المقالة نحو ثمانية أشهر من العمل، و كنت سعيدة جداً بها فقد أصبحت مرجع يستشهد به الباحثون من بعدي، كما يسعدني أن يستفيد الناس من بحثي فلهذه المقالة قرّاء أجانب وعرب كثر .
عملت بنمذجة معلومات البناء مع عدّة مكاتب هندسية، و عملت عن بعد بمشروع مميز في دبي وهو إنشاء 4D BIM لمبنى تجاري بمعنى عمل سيناريو كامل لكيفية تنفيذ المنشأة، المشروع كان ضخماً جداً ولم يعرف المقاول كيف يبدأ به وبأي كتله منه، فأجريت له عدة سيناريوهات واخترنا السيناريو الأفضل والأقل كلفة.
رغم هذا يبقى مشروع الدكتوراه هو المشروع المميز بالنسبة لي وبكل تفاصيله .
المهندسون المميزون اللذين تعلمتم منهم !؟
الأستاذ الدكتور بسام حسن رئيس جامعة تشرين، هو شخص خبير واستشاري بكل معنى الكلمة، متمكّن جداً بالهندسة المدنية والإدارة تحديداً، بالإضافة إلى أنّه شخص إنساني لأبعد الحدود ومتميّز بدبلوماسيته .
من الأشخاص اللذين أثرت شخصيتهم بي بشكل كبير أيضاً الدكتور جمال عمران فهو دكتور متميّز بحبّه للأفكار الجديدة الخلّاقة، فأغلب المواضيع الجديدة لدينا بالكلية هو من يقوم بطرحها وإدخالها، روحه عالية وهو شخص يحب التجديد دائماً، متحمّس رغم كل الظروف .
كلاهما كانا مشرفين على رسالة الدكتوراه خاصتي، أثروا بي كثيراً وتعلمت منهم الكثير.
ما الدوافـع التي أوصلتكم للهندسة ؟ أثناء مرحلتكم الجامعيـة ما هو أكثر شيء رسخ بذاكرتكـم ؟
كنت أحب مادة الرياضيات خلال مسيرتي في المدرسة أكثر من مادة العلوم الطبيعية وهذا ما جعلني أفكّر بالهندسة، وتحديداً الهندسة المعلوماتية لأنني كنت أحب البرمجة، ولكن حسب المفاضلة دخلت الهندسة المدنية، أحببتها كثيراً فيما بعد .
الكثير من الأشياء كانت مميزة أثناء المرحلة الجامعية مثل السكن الجامعي، فأنا كشخص كنت أعيش مع عائلتي أصبحت بمجرّد قدومي إلى مدينة أخرى مسؤولة عن نفسي بكل تفاصيل حياتي، وقد كان ذلك شيئاً إيجابياً فقد جعلني أشعر بالمسؤولية و الاستقلالية، كما تعرّفت خلال هذه المرحلة على أصدقاء جدد أيضاً .
ومن أكثر الأشياء المميزة أنني تعرفت على أصدقاء في الهندسة المدنية خلال فترة الجامعة أصبحوا مقربين جدا ، بالإضافة إلى أنّ الجو العام كان رائع، فعددنا في الدفعة كان قليلاً ودائماً لدينا مشاريع مشتركة تجمعنا مما ساهم في تقوية العلاقات فيما بيننا .
هل ندمتم على اختيار مهنة الهندسة ؟
لم أندم أبداً، بالرغم من أنّ وضع الهندسة في بلدنا صعب نوعاً ما من حيث عدم وجود شركات هندسة كبيرة و فرص عمل متنوعة أو مشاريع كبيرة، وخصوصاً في اختصاصي (الإدارة) .
هل كان لديكم تجربة بالغربة ؟ ولماذا لم تسافري الآن رغم كل الظروف ؟ وهل من الممكن أن تسافري ؟
لم يكن لدي تجربة بالغربة، ولم أسافر بسبب عدة ظروف ذكرتها في البداية، وربما بسبب تعلقي بأهلي وبلدي، وأيضاً يقيني بأنّ الإنسان قادر على الإبداع أينما كان وخصوصاً في وقتنا هذا حيث أصبح بالإمكان العمل عن بعد في ظل التطور التكنولوجي الحالي .
لا أرغب بالهجرة تماماً، ولكن إذا اتيحت الفرصة المناسبة بالسفر لسنوات قليلة كتحسين وضع فلِم لا .
نصائحكم العلمية والتوجيهية لطلاب الهندسة بجامعة تشرين والجامعات السورية الأخرى .
تعلّموا و استمتعوا، وركزوا على الفهم أولاً، ولا تجعلوا هدفكم فقط النجاح في المقرر، فهذه الفترة لن تتكرر في حياتكم لذلك استغلوها جيداً واستمتعوا بها .
كمهندسة ومدرّسة ما هي العقبات التي عانيتم منها بالنسبة للكلية خدمياً ؟ و بالنسبة للطلاب ؟
بالنسبة للكلية؛ ضعف البنية التحتية للكلية نوعاً ما، حيث يوجد مشاكل تقنية من حيث الحواسيب وأجهزة الإسقاط والمخابر، بالرغم من أنّ الإدارة قامت بالتجديد مؤخراً وبذلت جهداً كبيراً في ذلك.
أما بالنسبة للطلاب فالعدد الضخم بشكل لا يتناسب مع إمكانيات الكلية هو من أبرز العقبات التي قد تؤثر على جودة العملية التدريسية .
من هي الدكتورة المهندسة لما خارج أوقات العمل ؟ وما هواياتكم ؟
أنا شخص منظَّم جدّاً، لديّ دائماً جدول زمني يومي، أسبوعي، وحتّى شهري أعمل عليه.
الوقت لدي شيء ثمين لا أضيعه إلّا مع الأشخاص المميزين بالنسبة لي. وأيضا أنا أم ملمّة بكل تفاصيل عائلتي، كما أعتبر نفسي صديقة جيدة وزوجة جيدة أيضاً .
أما بالنسبة لهواياتي فأحب المطالعة كثيراً والتصوير، كما أحب التسوق وتنظيم الرحلات التي تتم بمشاركة ببعض الأصدقاء .
كمهندسة أيهما تفضلين؛ العمل الإداري والتدريس في الكلية ؟ أو العمل في المشاريع الهندسية ؟
أفضّل العمل التدريسي كما أحب إعداد المقالات الهندسية والأبحاث العلمية، لأنني أعدُّ الفكرة شيئاً ثميناً جداً فهي أصل تطور كل المجتمعات البشرية وكل العلوم، وبالبحث العلمي نعمل على الفكرة لذلك أفضله، ولكن لا بد من العمل في بعض المشاريع الهندسية من باب ضرورة التواصل بين العمل الأكاديمي والعمل الهندسي.
ما هي الطريقة التي تنصحون بها الطلاب لدراسة مقرراتكم لتحقيق أعلى نسبة فائدة علمية وعملية ؟ وما هو منهجكم في تقديم المحاضرة للطلاب ؟
أنصحهم بأن يركزوا على الفهم أولاً وعلى المتابعة اليومية ثانياً، وأن يبحثوا بأنفسهم عن المعلومة ويتجهوا نحو التعلم الذاتي . وأيضا أن يركزوا على امتلاك حسٍّ هندسيّ بالأرقام والنتائج وأن يكونوا قادرين على تحليل النتائج كونها منطقية أم لا …
بخصوص منهجي في تقديم المحاضرة أحاول قدر الإمكان اتباع المنهجيات الجديدة سواء بعرض فيديوهات أثناء المحاضرة تخدم مضمون المحاضرة، كما قمت مؤخرا خلال فترة الحجر الصحي بإنشاء قناة يوتيوب تعليميه للطلاب، كانت غايتي من ذلك جعل الطلاب يستثمرون تكنولوجيا الاتصالات في التعلم الذاتي والبحث عن المعلومة بدلاً من تلقينهم إياها، و قد لاقى ذلك تفاعلاً كبيراً.
برأيكِ كمهندسة هل الرواتب قليلة لدرجة أن بعض المهندسين يجبرون للعمل خارج البلاد أو بشركات خاصة ؟
بالتأكيد، الرواتب قليلة جداً، حيث يصعب على المهندس تأمين مستقبله من خلال هذا الراتب، لذلك عندما يأتيه عرض من الخارج يضطر للذهاب، للأسف بالخارج يستغلون هذا الأمر لاستقطاب الأدمغة والعقول النيرة من المهندسين من خلال تقديم التسهيلات لهم ومنحهم أجوراً مناسبة للعمل لديهم .
لدينا مهندسين بارعين مجتهدين ومجدّين والرواتب القليلة تدفعهم للهجرة وتؤدي بنا لخسارتهم للأسف .
ما هو أسوأ موقف قد يمر به المهندس خلال مسيرته التدريسية أو العمل المهني ؟ وإذا وضعتم في موقف محرج ضمن مجالكم كيف تتصرفون ؟
أسوء شيء أن يكون لديه ضعف أو قلّة بالمعلومات، أو أن يُسأل سؤالاً ما ليس لديه جواب له .
ليس بالضرورة أن يعرف الدكتور أو المهندس كل شيء لكنّه بالتأكيد قادر على الوصول إلى المعلومة واستحضارها فهو لديه منهجية وأدوات علمية اكتسبها خلال دراسته تسهل الوصول إلى أية معلومة، في حال حدث ذلك ولم يكن لديه الإجابة يمكن تجاوز الموقف بالهدوء وعدم الإجابة بسرعة وإنّما طلب القليل من الوقت للتأكد من المعلومة وإعطاء الإجابة .
بالنسبة لي، لم أوضع في موقف محرج ولكن في حال حدث ذلك أطلب قليلاً من الوقت للتأكد قبل الإجابة .
كيف استطعتم أن تكسبوا محبة الطلاب لشخصكم الكريم ؟
أنا حازمة ولطيفة في نفس الوقت، أتعامل بأسلوب لطيف.
و لكن برأيي أن تكون متمكناً من مقررك بشكل جيّد وملمّاً بكل تفاصيله أهم شيء لكسب محبة الطلاب واحترامهم.
اعتدت على الاستماع للطلاب وحلّ مشكلاتهم واعتقد هذا ساعدني في التقرّب منهم وكسب محبتهم، كما أنني أحاول قدر الإمكان أن أكون عادلة في توزيع علامات طلابي .
جملة أو مقولة تقولونها وتؤكدون عليها أثناء محاضراتكم ؟
أقول لهم ركزوا على الفهم واستمتعوا في مادتي في آن واحد، نحن هنا ليس فقط كي ننجح بالمقرر، كما أقول لهم أنّ المستقبل القادم لتكنولوجيا المعلومات فبقدر ما تملكون من مهارات ومعارف بقدر ما يكون المستقبل مفتوح أمامكم .
هل تجدون المناهج التي تدرس صالحة لهذه المرحلة من التطوّر؟ أم أنّه يجب تجديدها ؟
برأيي المناهج والمقررات الأساسية قوية جداً ولكن لابدّ من التطوير دائماً، فقد أصبح هناك قفزة في تكنولوجيا مواد البناء وفي تكنولوجيا المعلومات والبرامج الهندسية ولابد من تطوير مناهجنا بحيث تواكب هذه القفزات.
أيّهما تفضلون خطةً؛ الاختصاصات أم المدني العام ؟
لا أدعم خطة الاختصاصات بشكل كامل، نظراً لأن الوضع الهندسي لدينا في سورية لا يحتمل وجود كل الاختصاصات، ولكنني بالمقابل لا أفضّل خطّة المدني العام نظراً لأنّ التوجه العالمي يتّجه نحو الاختصاصات، و إنّما كنت أفضل دمج جميع الاختصاصات في السنوات الثلاثة الأولى ومن ثمّ الاختصاص خلال السنتين الرابعة والخامسة وهذا يحقق التوجهين العالمي والمحلي .
هل لديكم خطة مستقبلية بوضع كتب للمقررات التي تدرسونها ؟
نعم الفكرة موجودة، فأنا أشجع وجود الكتاب الجامعي، فهو مرجع للطلاب يمنع استغلالهم من قبل المكاتب، تقريباً الكتب جاهزة لدي ولكن أحتاج لوقت لإتمامها بشكل كامل .
ختاماً .. كلمة من حضرتكم لعدستنا “عدسة طالب هندسة”
فكرة جميلة أن تقوموا بتعريف الطلاب على الجوانب الثانية لأساتذتهم وأتمنى كثيرا أن تتفعل الأنشطة الثقافية والفنية والفكرية في الجامعة .
لم أكن أعرفكم في البداية ولكنني سعيدة جدا بالتعرف عليكم، بحثت عن فريقكم وشعرت بأنكم مميزون، أتمنى لكم أن تستمروا في عملكم كما أتمنى لكم المزيد من النجاح و التوفيق .
وبدورنـا نشكر الدكتورة لمـا على حُسن استقبـالهـا لنـا، راجين لهـا المولى بدوام الصحـة والتألّق .
كـان في اللقــاء :
محمد صالح مدنية
محمد عبد الوهاب
آية ناصر قاسم
تصويـر العدسـة :
محمد عبد الوهاب