⏺ في التسعينيّات كانت فترة تدريبي في مستشفيات جامعة عين شمس.. طالب ثم طبيب مقيم ثم مدرس مساعد ثم مدرس جراحة عظام .. الخ
في هذه المرحلة تعلمت من الكتب و المحاضرات و الامتحانات أن هناك إجابة واحدة صحيحة لكل شيء !
وهذه الإجابة تجدها في كتاب فلان أو محاضرة فلان أو ما يقوله فلان !
و تعلمنا أنه في امتحان الماجيستير أو الدكتوراه أو..أو .. الاستاذ فلان يحب كذا ! ..و لو قلت إجابة مختلفة .. فأنت هالك لا محالة !
فضلا عن قصص امتحانات الشفوي المخيفة التي يحب أن يتناقلها الطلاب مع بعض المبالغات و البهارات ! .. للوصول إلى قصة مثيرة و شيقة تجد من يستمع إليها!
🔺 و بعد أن سافرت إلى الخارج اكتشفت دنيا مختلفة ! …أولاً في سويسرا ثم الولايات المتحدة الأمريكية…. اكتشفت في البداية أن المرجعية هي أحدث الأبحاث العلمية… و الوزن العلمي للبحث.. من كتبه .. عدد الحالات ..هل هناك عوامل تؤثر على مصداقية البحث مثل مصالح خاصة للباحث أو تمويل البحث أو..أو ..أو
لكن هذا لم يكن نهاية المطاف !!
🔺 في المنتصف الأول من الالفينيات… كنت قد انتقلت لتوي من العمل في ولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية إلى ولاية تكساس… و بالتحديد في إحدى أكبر مستشفيات جراحة عظام الأطفال.. تكساس سكوتش رايت
و فيها كان مطلوب مني تغطية طبيبين في نفس الوقت بسبب نقص النواب ! .. د. توني هيرينج( جراح مفصل الفخذ الشهير و صاحب أبحاث مرض بيرثيز ) … و د. جون بيرش( جراح إصلاح التشوهات الشهير و صاحب أبحاث اليزاروف في علاج تشوهات العظام )
و هنا رأيت الطبيب العالم !
كنت لا أزال بنفس العقلية المصرية ..ان هناك إجابة واحدة صحيحة لكل شيء! .. سواء كانت هذه الإجابة في كلام الأستاذ فلان ..او في أحدث دراسة!
لكن وجدت في هذين الطبيبين حكمة العلماء .. أن هناك إجابات كثيرة صحيحة لنفس السؤال ..أو نفس المرض
وجدت نفس الحالة المرضية .. يتم علاجها بطريقتين مختلفتين .. بواسطة نفس الطبيب ! .. و في كل حالة لديه من الأبحاث العلمية و الأدلة ما يكفي لأقتنع!
وجدت أن البحث العلمي يضيء لنا جزء من الصورة ..لكننا لا نستطيع أن نرى الصورة كاملة
أننا ننظر إلى التفاصيل ..و ننظر إلى الصورة الكبيرة.. و نبحث عن الطب المبني على الدليل .. الذي يناسب كل حالة أو كل ظروف على حدة..
🔺 البعض يقضي سنوات طويلة خارج مصر… و للأسف يستمر بالعقلية التي تعلمتها في التسعينيات … عقلية أن هناك إجابة واحدة صحيحة لكل شيء!
و يعيش في التعصب المقيت لرأي ما… حتى يتحول إلى جزء منه و من صورته الذهنية عن نفسه و من كرامته ! .. فيشعر بالخطر أو الإهانة إذا إتضح خطأ هذا الرأي..او أن هناك صحيح آخر !!
و بالتالي تجد هذا الشخص يحب الجدل .. و ليس النقاش ..لأنه لا يبحث عن الحقيقة ..لكن يبحث عن طريقة لإثبات أنه على حق !
🔺 تعلّمت بعد سنوات طويلة كلمة الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)
أ.د. خالد عمارة
أستاذ الجراحة العظمية في جامعة عين شمس / مصر.