أصبح البحث عن طريقة لاستثمار قدرات الذكاء الاصطناعي في آداء المهام الروتينية بدقة عالية وخلال وقت قصير مقارنة بالكادر البشري ضرورة لكل الجهات الراغبة في مواكبة التطورات التكنولوجية، لكن دمج الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية التي يعد الإنسان محورها القيّم دفع أصحاب السطات لإعادة التفكير قبل السماح للمستشفيات باستخدام الأجهزة الطبية الذكية التي صُممت لاتخاذ قراراتها بنفسها دون تدخل الطبيب.
تزامناً مع الموافقة الصادرة من قِبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على اعتماد الأجهزة الطبية المدعمة بالذكاء الاصطناعى في الرعاية الصحية، شهد سوق التقنيات الطبية المدعمة بالذكاء الاصطناعي منذ بداية عام 2016 نمواً هائلاً بزيادة عدد هذه الأجهزة الطبية المرخّصة خلال السنة الواحدة بنسبة 3350% (وسطياً من 2 إلى 69) لمساعدة الأطباء في تشخيص التشوهات الدقيقة التي قد لا تستطيع العين البشرية من تحديدها بدقة في الصور الشعاعية، وتحليل البيانات السريرية للكشف عن الأنماط المميزة للآفات، وتحديد الجرعات المناسبة عند التصوير و العلاج بالأشعة، والتنبؤ بمدى تطور الحالة المرضية.
على الرغم من تنوّع استخدامات أدوات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية وفوائدها العديدة على الأطباء والمرضى، فقد قوبلت هذه الأدوات بالشك بسبب مجموعة من المخاوف المتعلقة بخصوصية المريض، وإمكانية التحيز في النتائج المؤثرة على دقة الجهاز.بعد الانتشار السريع لهذه الأجهزة المرخّصة، زاد الفضول حول مستوى أمان هذه الأجهزة وفعاليتها سريرياً، تم تشكيل فريق من الباحثين الذين ينتمون لعدة جامعات مرموقة عالمياً من جامعة أكسفورد، وجامعة كولومبيا، وجامعة ميامي، وجامعة كارولانيا الشمالية، وجامعة ديوك، لبناء الثقة العامة في أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في رعاية المرضى وتقييم كيفية اعتماد خوارزمياتها في الأجهزة الطبية.
فقام الطبيب الباحث سامي تشوفاني إل فصي بالتعاون مع الطبيب البروفوسور جيل إي هاندرسون في مدرسة كارولاينا الشمالية للطب والبحث ومركز ديوك القلبي بإجراء تحليل شامل للبيانات السريرية المستخدمة في التحقق من آداء ما يتجاوز 500 جهاز طبي مدعم بالذكاء الاصطناعي والمتاحة على قاعدة البيانات الرسمية في FDA، بعنوان “الأجهزة الطبية المفعلة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي (AI/ML)” لتحديد ما يعنيه حقاً أن يكون جهاز طبي مدعم بالذكاء الاصطناعي مرخّصاً من قِبل FDA، فتوصلوا إلى نتائج تم نشرها في مجلة “Nature Medicine” والتي كشفت الستار عن الحقيقة الصادمة وهي أن 226 من 521 جهاز طبي معتمد منFDA ، يفتقرون إلى بيانات التحقق السريري، وهو ما يقرب من نصف الأدوات الطبية المصرح بها.
تم اعتبار بعض الأجهزة التي تم التحقق من آدائها باستخدام “صور فانتوم” أو صور تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر والتي لم تكن من مريض حقيقي، لم تفي تقنياً بمتطلبات التحقق السريري.
عاتب تشوفاني إل فصي مصنعي أجهزة الذكاء الاصطناعي الذين يفتخرون بمصداقية أدواتهم حالما يتم ترخيصها من قِبل FDA، موضحاً أن الترخيص قد لا يعني أنه تم تقييم فعالية الأدوات في الإعدادات السريرية بشكل صحيح باستخدام بيانات مرضى حقيقية.
لم يكتفِ الباحث بتشجيع FDA على تعزيز مصداقية ترخيص الأجهزة الطبية المدعمة بالذكاء الاصطناعي من خلال إجراء دراسات التحقق من فعالية هذه الأجهزة بل وناشد من أجل إتاحة نتائج مثل هذه الدراسات للجمهور.
إعداد المهندسة: نجلاء محمد جولحه