هل تستطيع تذكر أخر مرة قمت فيها بعرض قصةٍ مرضيةٍ؟
خلال الجولات في المستشفى أو أي شيءٍ يستدعي ذلك .
لابد أنك قلت شيئاً كهذا :
“رجل أسود بعمر 38 يراجع بشكوى إصابته بحمى. “
وتُكمِل ..
بالعِرق والجنس ..
لماذا العِرق؟
لقد فكرت بهذا الأمر عندما كنت أقرأ بحثاً في JAMA Internal Medicine يتحدث عن معادلة تقدير معدل الترشيح الكبيبي .
معدل الترشيح الكبيبي هو مقياسٌ مهمٌ لوظيفة الكلية، لكن من الصعب جداً قياسه بسرعة ٍ.
ويحتاج إلى تقنيات متقدمة لا يمكن الحصول عليها غالباً في مخبرك.
لذلك، طوّر العلماء معادلةً تقديريةً تأخذ بالحسبان بعض المتغيرات سهلة القياس وتتوقع معدل الرشح.
المعادلة تعتمد على أربع معطيات:
1-مستوى الكيرياتنين عند المريض ،
2-العمر
3- الجنس
4- والعِرق.
ها هو العِرق يُذكَر مرةً أخرى… لماذا هو مهم؟
لماذا يكون العرق رئيسياً في فهمنا لحالات المرضى؟
ربما تقول لي أنه…
في سياق تقدير معدل الترشيح الكبيبي، نعلم أن الكرياتنين يأتي من العضلات لذلك فإن الناس ذوي البنية العضلية الأكبر يكون لهم مستوى كرياتنين أعلى مع ثبات معدل الترشيح الكبيبي.
ووسطياً السّود لديهم بنية عضلية أكبر لذلك لابد أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار.
هنا نستخدم العِرق للدلالة على شيء حيوي.
ولكن السؤال هنا: طالما نقصد الكتلة العضلية في هذه المعادلة من أجل معرفة مستوى الكرياتنين، لماذا لا نقيس الكتلة العضلية مباشرة عوضاً عن أن نقول العرق؟
إذا كانت إجابتك رداً على ما سبق
أن العرق هو دليل على مجموعة متنوعة من الفروقات الجينية و التي لها ارتباط طبي، فيؤسفني إخبارك أن هذا لا يبدو صحيحاً.
لأن تنوع الألائل ضمن العرق الواحد أكبر بكثير من التنوع بين العروق المختلفة.
هل توجد مشكلةٌ إنسانيةٌ في هذه المعادلة؟!!
فلنتحدث عن القصور الكلوي
لا يمكنك اعتبار أن المريض بحاجةٍ إلى نقل كلية من متبرع إلا إذا كان معدل الرشح أقل من 20 مل/د/1.73 م2
إذا كان لدينا شخصان يعانيان من الداء الكلوي
هما من الجنس ذاته: رجلان
والسن ذاته 65 عاماً
ولهما قيمة الكرياتينين ذاتها 4.3
الاختلاف الوحيد بينهما أن أحدهما أبيض والآخر أسود (أي العرق)
كل شيءٍ آخر مماثلٌ تماماً
بتطبيق المعادلة عليهما نجد أمراً هاماً جداً
المريض الأبيض سيصبح معدل الرشح الكبي لديه 18 فقط لأنه أبيض، والرجل الأسود سيصبح معدل الرشح الكبي عنده 21 فقط لأنه أسود
أي أن الشخص ذا البشرة البيضاء يحق له الحصول على كلية من متبرع، أما الشخص ذو البشرة السوداء فلا لأن معدل الرشح لديه أعلى من 20!
هل هذا يعني أن استخدام العرق في الحساب خاطئ؟ ماذا تقول البيانات ؟
قام المختصون بإجراء مقارنٍة بين معدل الرشح الكبيبي المُقاس (الحقيقي) مع المعدل التقديري (الذي نستنتجه بالمعادلة) لـ 2601 فردا أسود البشرة.
مرة مع أخذ عامل العرق بعين الاعتبار ومرة بدونه في المعادلة التقديري.
فلاحظ العلماء أن أخذ عامل العرق بعين الاعتبار فعلاً جعل الأرقام أكثر دقة وأقرب للمعدل المقاس، وذلك بفرقٍ بسيطٍ.
وبالتالي هل هذا يُثبت أننا نحتاج فعلياً لعامل العِرق؟
حقيقةً لا، صحيحٌ أن العرق له انعكاسٌ حيويٌ (ضعيفٌ) على معدل الرشح الكبيبي
إلا أنه لا يمكننا التعميم على حاجته في النماذج الطبية جميعها.
وبالتالي لماذا يجب علينا تجنب استخدام العرق ؟
السبب الرئيسي هو أن استخدام العرق في النماذج الطبية او النظريات يعزز فكرة أن هناك فروقاً بين العروق، وأنها غير متساويةٍ، وهذا غير أمر غير دقيق .
بالتأكيد الأفراد ذوي البشرة السوداء لديهم علامات مرضية أشد حدة في أمراض متنوعةٍ
ولكن السبب في أغلب الأحوال ليس الجينات، وإنما لأنهم يتعرضون لتأثيراتٍ قاتلةٍ بسبب العنصرية .
والآن عوضاً عن استخدام مصطلح العرق في نماذجنا الطبية، نحن بحاجة لإدخال القياسات على العوامل الاجتماعية التي بشكل أساسي تسبب الاختلافات في العلامات المرضية.
مثل( الفقر ، العزلة ، الجهل )… وهنا نعلم ما يمكننا إصلاحه .
نهايةً ، ربما كان يجب أن تُقدّم القصة المرضية لمريضنا في أول المقال كالتالي:
“هذا رجل بعمر ال 38 لا يملك تأميناً صحياً، يراجع بشكوى من حمى.”
المساهمون:
ترجمة وإعداد: لبيب يوسف
تدقيق ورفع: رند الجندي
” السبب الرئيسي هو أن استخدام العرق في النماذج الطبية او النظريات يعزز فكرة أن هناك فروقاً بين العروق، وأنها غير متساويةٍ، وهذا غير أمر غير دقيق .”
طبعا في فروق بين العروق .. ايمت بدنا نبطل حركة المساواة اللامنطقية 😖