بعد أن أجبتكم في المقال الماضي حول إمكانية الإصابة بالإيدز من لدغة البعوض الماصّ للدم، جئتكم اليوم بسؤالٍ جديدٍ حول الدم كذلك:
هل أستطيع أن أغير زمرة دمي؟! وكيف؟!
قد تظن أن هذا أحد العناوين الكاذبة من قبيل “كيفية تنزيل ببجي على الآلة الحاسبة بدون رووت” إلا أنه ليس كذلك.
بل إن تغيّر زمرة الدم أمرٌ يحدث فعلياً في كل أرجاء العالم.
قبل أن تسأل “كيف؟” و”لماذا؟“، دعونا أولاً نتذكر بضعة نقاطٍ أساسيةٍ لنتمكن من فهم الإجابة:
أولاً: من أين يأتي الدم لدى الشخص البالغ؟
يبدأ إنتاج السلاسل الدموية الثلاث (البيضاء والحمراء والصفيحات) كلها من خليةٍ واحدةٍ: وهي الخلية الجذعية عديدة القدرات Multipotent Stem Cell.
يمكن لهذه الخلايا أن:
1️⃣ تقوم بالتجديد الذاتي: أي تنقسم لتعطي خلايا مماثلة لها.
2️⃣ تتمايز عبر سلسلة من التغيّرات: لتعطي كافة مكونات دمنا النقوية واللمفاوية.
هذه الخلايا عديدة القدرات تسكن في نقيّ العظام، ومنه يتم إنتاج الدم في البالغ.
ثانياً: ما الذي يحدد زمرة دمي؟
نحن نرث زمرة دمنا بالنمط الوراثي الجسدي السائد المشترك autosomal codominant، أي أننا نرث أليلين من الجين ويتمكّن كلٌ منهما من التعبير عن ذاته.
عندما يعبّر أليلا جين ABO عن ذاتيهما، يؤدّيان إلى اصطناع مواد (سكريةٍ في حالتنا هذه) تدعى مستضدّات تتوضع على سطح الكرية الحمراء.
وبحسب وجود هذه المستضدات ونوعها على كرياتك تتحدد زمرتك الدموية ما بين A، و B، و AB، وO.
(والآلية مشابهةٌ بعض الشيء في تحديد إيجابية أو سلبية الريزوس.)
الآن، إليك الجواب الذي جئت هنا لأجله
قلنا أن كل خلايا دمنا (بما فيها الكريات الحمراء) تأتي من الخلية الجذعية عديدة القدرات الموجودة في نقي العظام.
الآن تخيل معي،
ماذا لو قمنا بإزالة كافة الخلايا الجذعية من نقي العظام الخاص بك، واستبدلناها بخلايا جذعيةٍ من شخصٍ آخر، يملك مورثاتٍ مختلفةٍ عنك وزمرة دمٍ مختلفة؟
هذا هو تماماً ما يحدث في زرع النقي الغيري.
حيث يتلقّى المريض الذي سيحصل على زرع النقي أولاً معالجةً كيميائيةً أو شعاعيةً (أو كليهما)، مما يقتل كافة خلايا الجذعية الموجودة في النقي سواء كانت مريضةً أم سليمةً، وينعدم إنتاج الدم لدى المريض، ويصبح جاهزاً لتلقّي خلايا جذعيةٍ جديدةٍ.
يتم نقل الخلايا الجذعية الجديدة المكونة للدم بعدها إلى المريض عن طريق خطٍّ وريديٍ مركزيٍ، فتذهب وتنغرس في نقي العظام وتبدأ العمل بعدها في إنتاج خلايا الدم الجديدة.
هذة الخلايا الجذعية (الجديدة) جائت من متبرعٍ آخر، قد يوافق أو يخالف زمرة دم المريض،
وهي تحتوي المادة الوراثية للمتبرع وليس للمريض، ولهذا فإنها بعد البدء في عملها تنتج دماً من زمرة المتبرع.
أي أن زمرة دم المتلقّي تتحول بعد فترةٍ من الزمن إلى زمرة دم المتبرع.
وهذا ينطبق على كلٍ من زمرة ABO و زمرة الريزوس.
ولكن، ألا يسبب اختلاف الزمرة بين المتبرع والمتلقّي رفضاً؟
لا، فالأساس الذي يُعتَمد عليه في اغتراس النقي هو التوافق في مستضد الكريات البيض البشري HLA (وهو معقد التوافق النسيجي الأعظمي).
وتتم وراثته في موقعٍ آخر على الصبغيات لا علاقة له بموقع جين زمرة الدم.
فإذا كان لدى المتبرع HLA موافق، ومريضنا في حالةٍ حَرِجة، قد لا يُنظَر في توافق زمرة الدم أصلاً.
و رغم أن بعض الاختلاطات قد تكون أكثر شيوعاً في حالات عدم التوافق الشديدة، إلا أن توافق زمر الدم ليس ضرورياً لنجاح الزرع.
ولكن لِمَ قد يلجأ أحدهم إلى زرع النقي؟
بالتأكيد لن ترى من يقوم بهذا رغبةً في تغيير زمرة دمه، ولن ترى أحداً “يجربها في المنزل”.
لكن زرع النقي الغيري يستخدم كعلاجٍ للعديد من الأمراض، وأحياناً يكون العلاج الوحيد المتاح.
تشمل هذه الأمراض كثيراً من أورام الدم، والتي قد يتم علاجها بالمعالجة الكيماوية والتشعيع مما يقتل الخلايا الجذعية المكونة للدم، ثم يتم زرع خلايا جديدةٍ في محلها.
وكذلك بعض أنواع فقر الدم كفقر الدم اللاتنسّجي، والذي يتناقص فيه إنتاج الدم من النقي.
بالإضافة للتلاسيميا الكبرى، وفقر الدم المنجلي، وبعض الأمراض المناعية الذاتية، وغيرها.
ولكن زرع النقي الغيري ليس الطريقة الوحيدة لزرع النقي
بل يمكن إجراء زرع النقي الذاتي في بعض الحالات وهو أكثر أماناً طبعاً لأنه متوافقٌ كلياً مع HLA المريض، فهو يأتي منه ويعود إليه.
وهذا بالتأكيد لن يؤدي إلى تغيّر زمرة الدم.
هل الزرع النقي الغيري يكلف ماديا كثيراا و هل بإمكانه معالجه مرضى تخثر الدم بالزراعه
في الواقع قد يكون مكلفاً نظراً للحاجة إلى العلاج الكيميائي أو الشعاعي أو كليهما قبله، والحاجة إلى البقاء في المستشفى لفترةٍ بعده مع تحاليل مستمرةٍ ومتابعة ورعاية صحية حتى التعافي، كل ذلك إلى جانب الإجراء بحدّ ذاته، فإذا كان كل ذلك على حساب المريض سيكون مكلفاً فعلاً. أما عن إمكانية علاج مرضى تخثر الدم باستخدامه فذلك بحسب السبب ويجب تقييم الحالة لدى طبيب مختص بأمراض الدم.